24‏/04‏/2016

المرأة والقمر

#القمر هل هو مذكر ام مؤنث؟
في لغتنا الجميلة نعتبر القمر مذكراً و #الشمس مؤنثة ، وليس في ذلك اجتهاد خاص ، لكن هناك العديد من #الحضارات التي تعتبر العكس ، و #السؤال الذي تصعب الاجابة عليه لماذا يصفون كلا من الشاب الجميل والصبية الجميلة "مثل القمر"؟ هل لان فيه الطبيعتين، ام لان العرب في تغزلهم غلب عليهم تذكير المؤنث؟.
في الحقيقة ان #الحديث هنا يتناول على وجه التحديد علاقة المرأة بالقمر،
فبسبب ولادته المتجددة وأفوله المستمر، ارتبط القمر بدورة الولادة والحياة والموت، مثلما ارتبط بعالمين، عالم علوي وعالم سفلي.
قد ساد الإعتقاد لدى شعوب جنوب شرق آسيا، على ان القمر هو الذي ينفخ #الحياة في أرحام #النساء . وما زالت مثل هذه المعتقدات موجودة في فولكلور الفلاحين في أوروبا وفي أساطيرهم وحكاياتهم الشعبية.
وكان سكان بلاد الرافدين يعتبرون أن موعد بلوغ القمر تمامه يوم تحيض فيه عشتار وتستريح فيه من كل أعمالها، ولهذا ارتبطت بهذا اليوم مجموعة من المحرمات، وقد دعي اليوم الذي تستريح فيه عشتار يوم "السباتو" أي يوم الراحة، ومنه أخذ اليهود يوم السبت من كل أسبوع يوم راحتهم وجعلوه عطلة دينية.
كما يتحكم إيقاع القمر في حياة المرأة السيكولوجية، فالقمر يتغير ويتبدل لا بتوافقه مع حركة الليل والنهار مثل الشمس بل يكون شروقه وغيابه مرهونين بمزاجه الخاص وطبيعته المتغيرة، مثل المرأة، بغموضها ومزاجيتها وعاطفتها.
وقد سبق القمر الشمس في التقديس، لأن الليل أكثر رهبة وخشوعاً وتأثيراً في نفس الإنسان الأول، وصار النهار تابعاً في نفس الإنسان ولذلك أصبح الليل هو الأول وصار النهار تابعاً له. لأنه ولد منه فالقمر أزلي والنهار حادث، ولأنه انبثق من الظلمة، فقد كان خلقه سرياً وسحرياً غامضاً.
بهذه النظرة السحرية، نظر الإنسان إلى القمر فقدسه، لأنه ولد من الظلمة الأزلية، التي هي الرحم الجسدي الذي حبل بالكون فأنجبه كما جاء في أسطورة التكوين البابلية، حيث كانت " تهامة" هي الرحم المائي المظلم الذي خلق الكون وأنجب الآلهة العظام، وفي الأساطير السومرية تنبثق الأجرام السماوية في ظلمة العالم السفلي، فحين هبط الإله أنليل إلى العالم السفلي وتزوج الالهة ننليل، التي تبعته إلى هناك كان القمر أول من ولد لهما، وعندما حبل القمر أنجب الشمس، وبهذا تصبح الشمس إبناً للقمر.
وهكذا ربط الإنسان العلاقة بين القمر ومبدأ الخصوبة في الأرض وعودة الحياة إلى الكائنات الحية، وكان ذلك قبل إكتشاف الإنسان العلاقة النظامية التي تربط بين القمر والشمس من جهة، وبين القمر والأرض من جهة أخرى، وكذلك العلاقة بين الشمس والأرض والكائنات الحية فيها بإعتبارها مصدر الحياة.
وقد ربط اجدادنا بين دورة الحياة وحركة القمر وكانت المؤشر الوحيد والرئيسي لحركة الزمن، ولهذا تم قياس الزمن بالليالي بحسب ولادة القمر واختفائه، حيث يبدأ الشهر بولاته كهلال وينتهي بإختفائه، وقد تم حساب السنة بإنقضاء إثنى عشر قمرأ متتالياً، وهكذا، وضع اسلافنا التقويم القمري السنوي الذي كان الأداة، الوحيد التي استخدموها لحساب الوقت وحركة الأيام والشهور والفصول والأعوام.
ويقال ان للقمر 28 منزلا وانه في كل يوم ينزل في منزل خلال دورته الشهرية..
وعلى أساس حركة القمر، جرى التقويم القمري عند جميع الشعوب والحضارات القديمة وتدل الابحاث على ان جميع المجتمعات التي اعتمدت التقويم القمري كانت فيها السيادة امومية، حتى ظهور التقويم الشمسي، حيث اصبحت فيها السيادة ذكورية.
الا ان العديدً من الشعوب بقي محتفظاً بالتقويم القمري إلى جانب التقويم الشمسي الجديد كالشعوب الإسلامية التي ارتبطت شعائرها وطقوسها الدينية بالتقويم القمري، وبخاصة في شعائر وطقوس الحج وشهر رمضان والأعياد الدينية وغيرها. وكان العرب القدماء في الجزيرة العربية يعتقدون أن القمر هو الاله الذكر، فالقمر هو الأب، أما الابن، فهو الزهرة والأم هي الشمس ومن هنا جاء التعريف النوعي الذي مازال ساري المفعول ومحفوظاً، في اللغة العربية التي تعتبر القمر مذكراً والشمس مؤنثة.


بقلم : كامي بزيع .



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

«كتاب الفنان»... تجليات بصرية من وحي تراث «عميد الأدب العربي»

  يفتح معرض «كتابُ الفنان» آفاقاً فنية تقتفي تراث ومشروع «عميد الأدب العربي» الراحل طه حسين، وذلك من خلال أعمال تتخذ من «الكتاب» قالباً فنيا...