14‏/03‏/2016

فن الكلام وعلم الحديث


قد يعتقد البعض أن #الكلام ليس فناً و #الحديث ليس علماً ، فيقول كل من يشاء ما يريد أن يقوله ، لكن #الحقيقة الخفية هي أن من أعظم الملكات التي يهبها الله للبعض هو فن الكلام ، فقد قال الإمام على بن ابي طالب ، رضي الله عنه وأرضاه :-” الرجال صناديق مغلقة مفاتيحها الكلام “، كما قال الفيلسوف #سقراط : تكلم حتى أراك !!، ومن أهم العلوم التي يجب أن تدرس للناس بشكل عام وللخاصة بشكل خاص هو علم الحديث ، ماذا تقول ؟ ومتى تقوله ؟ وأين تقوله ؟ وبأي شكل تستطيع أن تعبر عن محتوى تلك الكلام وخلاصة هذا الحديث ، ومتى تصمت ، أو تقول خيراً ، وكيف تحمى معانيك المختلفة وصياغاتك التي قد تفهم بأكثر من طريق ، كيف تنقد دون هجوم ، وكيف تهاجم دون سباب ، وكيف تحلل دون مواربة ، وكيف تواجه ، دون تراجع ، فقد تضع كلمة واحدة في سياق حوارك ، تكون هي #الحماية التي قد تحمي بلاغة حديثك ومنطق كلامك ، وقد تهمل كلمة واحدة تضعك خلف أسوار الحياة ، بل خارج الدنيا ، أو داخل السجن ، ولذلك ، فلا يمكن أبداً أن تنجح #الموهبة مهما إن وصلت لذروة إبداعها دون أن تكون مالكة لهذا الفن أو على الاقل يحاط بها نوعاً من هؤلاء #البشرالموهوبين الذين يعرفون كيف يعبروا عنها بفن الكلام وعلم الحديث ، وما أكثر الأمثلة التي لو عدنا للتاريخ من أهل #الفن و #السياسة وما شابه ذلك ، لإكتشفنا أن نجاحهم الحقيقي كان من أهم أسبابه فن الكلام وعلم الحديث ، فعبد الحليم حافظ مثلاً ، أتخيل أنه حتى ولو كان بائعاً للجرائد لكان أشهر من يبيع #الجرائد في مصروأقربهم للناس ، فقد كان يملك فن الكلام وعلم الحديث ، فقد ملك الكاريزما ، والذكاء اللاإرادي الأوتوماتيكي للبشر ، فتراه يرد في لحظة بكلمة واحدة تجعل الكل مبهوراً بذكائه وبإجادته فن الكلام وعلم الحديث ، ومن منا لم ينبهر بحديث السادات الذي كان من أهم أسباب تفوقه السياسي ، كيف كان يتحدث بثقة شديدة وبحروفاً مضغوطة مقصودة بإتقان ، فيكون الكلام وكأنه ملعباً لكرة القدم ، يرمي بهذه الكلمة لإحراز هدفاً ما هنا ، ويرمي بمعنى هناك لتغيير شكل ملعب الحوار السياسي ، وخاصة أنه كان من أشد المميزين في حرفنة الوقت المناسب ، فقد كان يملك “إستوب ووتش” ذهنياً دقيقاً للغاية ، فعرف متى يعلن عن إستعداده لزيارة إسرائيل نفسها ، عرف متى يقول للناس بعد وفاة عبد الناصرفي عز صدمتهم ، أنه لو كان عبد الناصر قد مات ، فكلنا عبد الناصر ، بهذه الجملة البسيطة إستطاع أن يتحول لساحر ، ويجعلهم جميعاً لا يروا أمامهم السادات في هذه اللحظة التي كانوا يرفضوه فيها ، بعد وفاة ناصر ، بل بالإيحاء النفسي وجدوا أنفسهم يجلسون أمام “عبد الناصر” الجديد ، وهناك من الأمثلة والشخصيات الكثيرة التي لن ننتهي أبداً من سردها ، ومنهم ، أم كلثوم ، وعبد الوهاب ، والرئيس جمال عبد الناصر ، مصطفى الفقي ، المستشار عوض المر ، السياسي عمرو موسى ، إبراهيم الفقي ، الشيخ محمد متولي الشعراوي ، صفوت الشريف ، وإن كان من يمتلك هذه الصفات يصل للملايين بكل حب وتقدير ، فالأخطرمن ذلك هو من يفقتد لهذه الأشياء الثمينة من فن الكلام وعلم الحديث ، فيقعوا في المحظور ، والأمثلة المتداعية كثيرة ومنهم المطربة الراحلة ذكرى والتي أخطات يوماً ما في التعبيرللدرجة التي أهدر دمها بعد هذا الخطأ مباشرة ، عندما وصفت نفسها قائلة وصرحت في عام 2002 وقالت أن معاناتها تشبه معاناة الرسول عليه الصلاة والسلام في رحلته في نشر دعوته الإسلامية ، مما جعل الشيخ ابراهيم الخضيري القاضي في المحكمة الكبرى بالرياض يدعو لإقامة الحد الشرعي عليها ، والذي يقضي بتنفيذ عقوبة القتل عليها ، ويبدو أن #القدر قام بتنفيذ هذه العقوبة بعد مقتلها على يد زوجها في مذبحة سراي #السلطان ، كما رأينا أخيراً كيف سقط بفعل الكلام الإعلامي توفيق عكاشة ، وكيف وقع وزير العدل المستشار الزند ، في قبضة أعدائه ، لمجرد أن خانه لفظاً واحداً ، رغم عدم مقصده لهذا أبداً ، ومن قبله سقط كذلك وزير العدل السابق له #المستشار محفوظ صابر، الذي إفتقد لفن الكلام وعلم الحديث ولباقة الشخصية العامة عندما قال الحقيقة التي لم يكن من الحنكة أن يقولها ، رغم أنه قال ما يحدث بالفعل ، فهل سمعتم عن ابن بواب أصبح قاضياً إلا في الأفلام التي عبرت عن ثورة 23 يوليو1952 فقط لاغير ، ومع ذلك ورغم أن الكل يعرف أنه على صواب ، تمت إقالته لما صرح به من كلاماً ، وكذلك كلنا نعرف هذه المطربة الموهوبة للغاية ” شيرين عبد الوهاب ” فهي تملك إحساساً عالياً فائقاً ، لكنها في فتراتها الأخيرة خسرت الكثير من جمهورها لأنها تفتقد لفن الكلام ولعلم الحديث ، فلا أحد منا يختلف على موهبتها الموسيقية والغنائية ، لكنها ، تحتاج إلى فن الكلام وعلم الحديث ، تحتاج لخبرة حياتيه تتخذ من خلالها قرارات صحيحة وسليمة وهادفة ، أو تحتاج لمجموعة متميزة من المستشارين ، لذلك فرغم موهبة شيرين الكبيرة التي لا يستطيع أحداً أن يجادل فيها ، إلا إنها تفتقد لعقلية حليم ، لذلك فقد تنتهي موهبة شيرين قريباً ، بنفسها لنفسها ، فلم يصدق أحداً إعتزالها ، فإعتزالها كان كمثل كذبة إبريل ، الكذبة البيضاء التي تنقي بها ثوبها الأبيض الذي تلوث بفعل سلوكياتها للون الكاروهات ، فلم يصدق احداً إعتزالها الذي كان يشبه حديث أشرف زكي عن إستقالته وهاني شاكروتخليه عن النقابة ، وتامر عبد المنعم الذي قال أنه قد إعتزل الفن وهو يوقع عقد فيلمه الجديد لدى السبكي ، كل هؤلاء إفتقدوا فن الكلام وعلم الحديث ، كل هؤلاء يذكرونا بمن يطلي الحائط بألوان زاهية وجميلة ، لكن الحائط نفسه بالمبنى آيل للسقوط إن لم يسقط بالفعل من الأساس !!! . ينقص الكثيرين من فناني مصر وسياسيها ، بل والكثيرين من شخصياتها العامة ، أن يملكوا فن الكلام أو علم الحديث ، لباقة الكلمة وبلاغة الإحساس ، ذكاء المعنى ، أوما بين السطور من لغة خفية ماكرة ساحرة ، أو يجدوا أمثال مصطفى أمين وهيكل وإحسان عبد القدوس ، لأخذ الإستشارات المجانية وليس الإستشارات التي يطبقها الآن عدد من الصحفيين ممن يسمون انفسهم المكتب الصحفى للفنان ، فهناك فرق كبير بين من يفكرلك وبين من يجمع قصاصات الأخبارلك ويحدد مواعيدك للمؤتمرات الصحفية والسلام !!!، لذلك فالكلام فن ، والحديث علم ، والتعامل مع الآخر ملكة لن تجدوها إلا في الفلتات المصرية والعربية المختلفة والعظيمة .

بقلم / هشام أبو سعده 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

«كتاب الفنان»... تجليات بصرية من وحي تراث «عميد الأدب العربي»

  يفتح معرض «كتابُ الفنان» آفاقاً فنية تقتفي تراث ومشروع «عميد الأدب العربي» الراحل طه حسين، وذلك من خلال أعمال تتخذ من «الكتاب» قالباً فنيا...