كان السيثيون فرساناً بدواً متنقلين ، والذين هيمنوا على رقاع شاسعة من سهب البونتي إلى الشمال من #البحر_الأسود ، في #ًأوكرانيا وجنوبي #روسيا في الوقت الحاضر، بدءاً من #القرن_الثالث قبل الميلاد. وعلى عكس الشعوب القديمة الأخرى التي لم تترك أي أثر، استمر السيثيون في التسبب بالقلق وقض المضاجع لطويل وقت بعد أن أفلوا. وقد أرّخ #هيرودوتوس أنهم "نهبوا كل آسيا. ولم يأخذوا الأتاوات من كل شعب فقط، وإنما شنوا غارات وسلبوا ونهبوا كل شيء كانت هذه الشعوب تمتلكه أيضاً". وعندما شهد نابليون رغبة الروس في حرق عاصمتهم الخاصة بدلاً من تسليمها لجيشه قال قولته المشهورة: "إنهم سيثيون!"
ولا تتضمن #الأخلاقيات الأكثر إخافة والتي تتبناها الجماهير الحديثة قساوة ووحشية السيثيين وحسب، بل وأيضاً تكتيكاتهم ضد الجيش #الفارسي الغازي بقيادة داريوس في #القرن_السادس قبل الميلاد. فبينما سار داريوس بجيشه الكبير من المشاة شرقاً بالقرب من بحر الأزور على أمل ملاقاة فرق الحرب لدى السيثيين في معركة فاصلة، تابع السيثيون الانسحاب إلى تخوم أراضيهم. وقد شعر داريوس بالارتباك وبعث تحدياً للملك السيثي، ايدنثيرسوس، قال فيه: "إذا كنت تعتقد بأنك أقوى، فقف وقاتل؛ وإلا فعليك أن تستسلم".
فأجاب إيدنثيرسوس بأنه ما دام لا يوجد لدى شعبه مدن ولا أراضٍ مفلوحة حتى يدمرها عدو، فإنه ليس لديهم شيء ليدافعوا عنه، ولذلك لا مبرر للدخول في معركة. وبدلاً من ذلك، عمد رجاله إلى مضايقة ومناوشة فرق الأطراف الفارسية الطوافة بحثا عن الماء والعشب ثم الانسحاب بسرعة، وكرروا العمل ذاته مرات ومرات. وفي كل مرة، كانت مجموعات صغيرة من #الفرسان الفرس تهرب بدون نظام بينما ضعف #الجسم الرئيسي لجيش داريوس عندما أوغل في السير أبعد وأبعد عن قاعدته وخطوط إمداده. وفي نهاية المطاف تراجع داريوس من سيثيا، وانهزم بشكل أساسي حتى من دون أن يحظى بفرصة لخوض القتال.
إن قتل العدو هو شأن سهل. وبعبارات أخرى، فإن العثور عليه هو الشيء الصعب. وينطبق هذا الكلام على واقع الحال اليوم، كما كان شأنه دائماً؛ لقد أصبح ميدان #الحرب راهناً أرحب وأكثر خلواً من المقاتلين مقارنة بما كان عليه خلال أيام معارك العصر الصناعي. والدروس ذات صلة: إنك لا تذهب لاصطياد #الأشباح ، ولا تذهب عميقاً جداً في داخل وضعية تكون فيها مزيتك الحضارية ذات مساعدة قليلة. أو كما قالت الحكمة الصينية القديمة المبكرة في عهد صن تزو: "إن الطرف الذي يعرف متى يقاتل ومتى لا يقاتل هو الذي ينتصر. هناك طرق يجب عدم سلوكها، وجيوش يجب عدم مهاجمتها، ومدن مسورة يجب عدم الاشتباك معها". وهناك حالة في هذا السياق تأتي من الحملة الصقلية في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد، والتي أرخها ثوسيدايدس، حيث أرسلت أثينا قوة صغيرة إلى مكان بعيد قبالة صقلية دعماً لحلفاء هناك، فقط ليتم جر القوة أعمق وأعمق في أتون النزاع حتى أصبحت مكانة كل إمبراطوريتها البحرية معتمدة على تحقيق النصر. وتبقى قصة ثوسيدادس في محلها، خصوصاً في أعقاب حربيّ فيتنام والعراق. ومع الأثينيين، كما مع داريوس، يندهش المرء من الكيفية التي يقود من خلالها هاجس الشرف والصيت الحسن قوة كبرى نحو مصير سيئ. إن صورة جيش داريوس وهو ذاهب إلى لا مكان في سهوب غير مضيافة بحثاً عن عدو لا يظهر أبداً، هي صورة قوية جداً وتذهب إلى ما وراء مجرد الرمزية.
إن عدوك لن يقابلك وفق شروطك الخاصة، وإنما وفق شروطه هو. وهذا هو السبب في أن الأعمال الحربية غير المتساوقة هي بقدم التاريخ نفسه. وعندما زرع متمردون هاربون القنابل وضايقوا الجنود ومقاتلي قوات البحرية الأميركية "المارينز" في زوايا البلدات العراقية، فقد كانوا سيثيين. وعندما يضايق الصينيون البحرية الفلبينية ويطالبون بمطالب إقليمية مع نشر زوارق صيد ومراكب حرس سواحل ومنصات نفطية، كل ذلك بينما يتجنبون خوض أي مواجهة مع السفن الحربية الأميركية، فإنهم سيثيون. وعندما يسلح محاربو الدولة الإسلامية "داعش" أنفسهم بالسكاكين وكاميرات الفيديو، فإنهم هم أيضاً سيثيون. وبسبب هؤلاء السيثيين في الجزء الضخم، تتوافر الولايات المتحدة على قدرة محدودة وحسب، لتقرير محصلة العديد من النزاعات، على الرغم من كونها قوة عظمى. وفي الأثناء، تتعلم أميركا حقيقة تنطوي على مفارقة للإمبراطورية: إنك تستديم من خلال عدم خوض غمار كل معركة. وفي القرن الأول الميلادي، حافظ تبيريوس على روما من خلال عدم التدخل في الاقتتال الأخوي الدموي وراء واجهتها الشمالية. وبدلاً من ذلك، عمد إلى الاعتصام بالصبر بينما كان يراقب المذبحة. لقد فهم حدود القوة الرومانية.
إن الولايات المتحدة لا تطارد فرق الحرب في #اليمن كما فعل داريوس في سيثيا، لكنها تقتل بين الفينة والأخرى أفراداً من الجو. ولعل حقيقة أنها تستخدم طائرات من دون طيار تقف دليلاً -ليس على قوة أميركا فقط، وإنما على محدوديات قوة #أميركا . ويجب على إدارة أوباما إدراك هذه المحدوديات وعدم السماح بأن يجر البلد إلى داخل النزاع في سورية ، على سبيل المثال. وإذا ساعدت الولايات المتحدة في إسقاط الدكتاتور #بشار_الأسد يوم الأربعاء، فماذا ستفعل يوم الخميس عندما تجد أنها عملت بمثابة قابلة قانونية لإيصال نظام جهادي سني إلى سدة السلطة؟ أو يوم الجمعة عندما تبدأ عملية التطهير العرقي للعلويين ذوي المذهب الشيعي؟ ربما تكون هذه معركة، كما استنتج صن تزو، لا يجب أن تخاض. لكن الأسد قتل عدة عشرات من الآلاف، وربما أكثر، وهو يتلقى الدعم راهناً من جانب الإيرانيين! صحيح، لكن تذكروا أن العاطفة، مهما كانت محقة، يمكن أن تكون عدوة للتحليل.
وعليه، كيف تستطيع الولايات المتحدة تجنب مصير داريوس؟ وكيف لها تجنب الفشل الناجم عن الكبرياء بينما تظل تفي بمسؤوليتها كقوة كبرى؟ يجب عليها أن تستخدم وكلاء حيثما تستطيع العثور عليهم، حتى من بين الخصوم. وإذا كان الحوثيون المدعومون من جانب إيران راغبين في قتال تنظيم القاعدة في اليمن، فلماذا يجب على الأميركيين أن يعارضوا؟ وإذا أشعل الإيرانيون مرحلة جديدة من الحرب الطائفية في العراق، فليكن ذلك فشلهم هم، لأنهم يفشلون في استيعاب درس السيثيين. وبينما يدخل الشرق الأوسط أعواماً من الصراع منخفض الوتيرة بين مجموعات من السيثيين، دعوا تركيا، ومصر، وإسرائيل، والعربية السعودية وإيران تتنافس على ميزان قوة غير مستقر، بينما تظل الولايات المتحدة بعيدة نصف خطوة. إن الحذر، بعد كل شيء، ليس نفس الشيء مثل الاستسلام. وأخيراً، دعوا الولايات المتحدة تعود إلى جذورها كقوة بحرية في آسيا وكمدافع على اليابسة في أوروبا، حيث هناك عدد أقل من السيثيين وقدر أكبر من الأشرار العاديين. إن السيثيين هم المنتقمون من الأمم التبشيرية، الأمم التي لا تلتزم بأي حدود. ولا شك أن على أميركا أن تتمدد إلى العالم، ولكن ليس مثل داريوس- أن تفرط في التمدد.
روبرت دي كابلان — (مجلة الأتلانتيك)
ترجمة: عبد الرحمن الحسيني
عدد حزيران (يونيو) 2015
* نشر هذا الموضوع تحت عنوان:
The Art of Avoiding War
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق