يفتح معرض «كتابُ الفنان» آفاقاً فنية تقتفي تراث ومشروع «عميد الأدب العربي» الراحل طه حسين، وذلك من خلال أعمال تتخذ من «الكتاب» قالباً فنياً ووسيطاً بصرياً، يعرض من خلاله الفنانون المشاركون رؤاهم وانفعالاتهم بما تركه طه حسين في وجدانهم الفني، في معرض يستمر حتى 30 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.
وتستضيف «جمعية محبي الفنون الجميلة» التي تقع في وسط القاهرة المعرض، حيث يمكن للزوار الاقتراب وتصفح الأعمال التي صمّمها الفنانون على شكل «كتب» لها أغلفة وعناوين وصفحات داخلية، اختار كل فنان لها موضوعاً مُقتبساً من عوالم طه حسين الرحبة، سواء الأدبية أو النقدية أو من وحي سيرته الذاتية، فهناك على سبيل المثال، أكثر من عمل استُلهمت مشاهده من رواية «دعاء الكروان» الشهيرة التي حُوّلت لفيلم سينمائي، وبها أعاد الفنانون صياغة الرواية برؤى بصرية متعددة، مع توظيف لمقاطع منها وشجون بطلتها وهي تُردد مع صوت الكروان: «أشكو لك يا صاحب المُلك».
لا تبدو الكتب في المعرض مجرد صفحات من ورق، كذلك تلك المُخصّصة للطباعة التقليدية، وإنما لها قوام أكثر سماكة ومُقوى كورق الكرتون، بما يجعلها قابلة للطيّ بصورة فنية، كما يسمح لإبراز الألوان، والأحبار، والخطوط اليدوية، والوسائط المتعددة التي تراوح استخدامها في الأعمال ما بين خامات تطريز، وخياطة، ومُجسمات تمنح الكُتب حضوراً، ومزيداً من القدرة على الحكائية البصرية.
وفي حديثه لـ«الشرق الأوسط» يقول الدكتور طارق عبد العزيز، مقرر لجنة المعارض في جمعية محبي الفنون الجميلة، إنه نتاج ورشة عمل اشترك فيها فنانو «جماعة اللقطة الواحدة»، الذين اتفقوا على أن يكون موضوع معرضهم عن عميد الأدب العربي، في مواكبة للاحتفال بذكرى مرور 50 عاماً على رحيله. (15 نوفمبر 1889 - 28 أكتوبر (تشرين الأول) 1973).
ويبرز من بين «تجليات» مشروع طه حسين في المعرض، التأثر بكتبه ومنجزه الأدبي والفكري، ومنها سيرته الذاتية «الأيام»، و«ما وراء النهر»، و«حديث الأربعاء»، و«جنة الحيوان»، علاوة على التفاعل مع ثيمات من وحي شخصيته وملامحه الشكلية، بداية من فقد البصر، والنظارة السوداء، وسنوات طفولته، وارتدائه الزي الأزهري، وتعلمه في الكُتاب، وصولاً لعلاقته بزوجته سوزان، التي وظّفها عدد من المشروعات في المعرض، منها «كتاب» استلهم اسكتشات تُصوّر بورتريهات له ولزوجته، مُطعّمة بكلمات رومانسية لسوزان، في مذكراتها تتحدث فيها برهافة عن زوجها.
وكما يقول الدكتور عبد العزيز الجندي، أستاذ فنون الكتاب ومؤسس مجموعة فناني «اللقطة الواحدة» المشاركين بأعمالهم في المعرض، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»: فإن «التحضير له سبقه ندوة للفنان والأكاديمي الدكتور ياسر منجي للمشاركين حول طه حسين الشخصية الملهمة للفنان، بتمرده وآرائه، وبصيرته ورؤيته وتأثيره الكبير في المجتمع المصري، ولم يمنعه فقد بصره عن متابعته وشغفه بالحركة الفنية، وهي جميعها عناصر من إبهار شخصيته، كما طلبنا من الفنانين المشاركين القراءة عنه قبل البدء في مشروعاتهم الفنية».
تلك الخلفية المعرفية، وفق الجندي «اتخذت صوراً مختلفة من وحي الاستلهام من أعمال طه حسين أو من سيرته أو من القضايا التي تبناها، وهناك من تناولها من الفنانين بشكل مباشر وعفوي، وآخرون طرحوا تأثره بصيغة تجريدية، ما جعل الكتب نتاج المعرض التي وصلت لنحو 70 عملاً متنوعاً من حيث الموضوعات والخامات المستخدمة».
ويضيف الجندي: «تراوح الفنانون المشاركون وعددهم 38 فناناً، ما بين محترفين من جماعة (اللقطة الواحدة)، وآخرين من طلبة كليات الفنون، وجميعهم استفادوا من تدريب الورشة الذي قدمه الفنان ممدوح القصيفي للمجموعة عن العديد من التقنيات الفنية لفنون الكتاب مثل طرق تجليد الكتب فنياً سواء عبر الطيّ الذي يشبه آلة (الأوكورديون)، أو استخدام الخياطة أو القص».
ووفق الجندي فإن «هناك شغفا حقيقيا يمكن لمسه من خلال المشاركات لتعلّم فنون (كتاب الفنان) الذي أصبح له حضور في الفعاليات التشكيلية بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة، ويُخصص له (بينالي) كالذي يقام سنوياً في مكتبة الإسكندرية، وعلى مستوى العالم له أيضاً حضور فنيّ تشكيلي متحفي للعرض في القاعات الفنية كالنحت والتصوير وغيرهما».