09‏/04‏/2018

عاشقو الحياة يمتلكون مهارات إدارة العلاقات




يحتفون بالحياة على طريقتهم الخاصة يقدسونها ويرون فيها استثناء خارجا على قانون السائد المعتاد. هم وحدهم يعرفون كيف يعيشونها، لكونهم يؤمنون جدا بها، تعكس مدى رقي إحساسهم وبساطتهم بدون تكلف، فكانت كما يريدون لها أن تكون محتفظة بقيمتها التي تتمثل فعليا في مخاضات الحرية والإبداع والتفكر.
هؤلاء يمضون حياتهم محتجين رافضين الوقوف عند حدود السلبية وتلك الآلام غير المنطقية يندفعون بخطواتهم الثابتة نحو إنسانيتهم الباعثة على الخلق والتجدد والتفاني.
لا شيء بإمكانه أن يؤذيهم ويشعرهم بالعجز سوى الجمود والاستكانة، لذا نجدهم يستيقظون سريعا من أوهامهم ينفضون عن عقولهم آثار الخوف والتردد يتواصلون مع واقعهم من خلال أفكارهم وشكوكهم الدافعة، لخلق صيغ جديدة تجعلهم يختارون أن يكونوا في تقلبات الحياة وتحولاتها منتصرين يشعرون بالامتنان لتلك اللحظات التي قد منحتهم فرصة الالتقاء مع حقيقتهم والوعي بضرورة التغيير والتجدد.
هم أيضا يتقبلون هزيمتهم بأناقة فائقة لا يضعف ذلك من إرادتهم أبدا، فيصبح من الصعب عليهم أن يتراجعوا أو حتى يستسلموا، بل على العكس تزيدهم تلك الأناقة الفكرية قوة في الهزيمة والإبقاء على خيار التعلم من جديد ليستطيعوا التدرب على مهارة التخطي ومواصلة إنجازاتهم.
في كل مرة يذهبون فيها إلى أحلامهم يذهبون وكأنهم يولدون من جديد ممتلئين بالحرية والفرح، وربما أيضا بالتمرد على تلك الأحلام التي أبت أن تتهاوى. هم حتى وإن انتظروا طويلا، يعلمون جيدا أن ثمة حلما آخر ينبت من ذاكرة العدم يستدعونه من أقاصي الأضواء الساطعة الملونة ليظلوا على الأقل سعداء متخففين من أثقال الكراهية، راغبين في التحرر من الأوهام والهويات الخانقة والثقافات الهادمة، كما أنهم يرفضون أسلوب القمع المعادي لأفكارهم، الذي غالبا ما يحول بينهم وبين تطورهم وإبداعهم وإلزامهم بالبقاء داخل تلك المتاهات المظلمة. ما يميزهم عن غيرهم هو إصرارهم على العيش في صلب الحياة وعدم الاكتفاء بالوقوف على أطرافها.
العاشقون لحريتهم هم فقط من يمتلكون كل الخيارات للذهاب إلى العمق، حيث يكمن جوهر وجودهم. إنه الجوهر الذي يكشف عن براعتهم في فن التواصل مع الحياة واستيعاب فكرة المسافة المقترنة بالاستمتاع العابر، لكن بدون أن يلغي ذلك وعيهم الحر القائم في أساسه على النقد والمساءلة، اعتقادا منهم بأن الإبداع لا يمكن له أن يكون بعيدا عن ألق الحياة المتدفق والباحث ربما عن تجليات تلك الألوان الضاجة بالحركة.
هؤلاء بالذات يدركون حقهم في الحياة، وهذا يعني أن عليهم أن يخوضوا المعركة ضد كل من اختار أن يكون مترددا بحشدهم للاحتمالات والخبرات التي تضمن لهم امتلاكهم لحق الحياة.
ولأنهم يرتادون دائما أكثر المسارات خطورة، فإنهم يحاولون على الأقل إضاءتها بكل ما هو باعث على التفرد داخل مساحات قابلة للتمدد، وبخاصة حينما تنفتح على حرية المعنى، وتعدد الخيارات، فإنها لا تسمح بتضييق الخناق على التفكير، لكونه هو القادر على مجاراة تلك الرؤية المتجسدة في عقول تنشد الفهم الحقيقي بدون تصنع وأرواح تواقة للجمال والتألق وإحساس يتوهج اشتعالا باللذة الملازمة لتخيلاتهم وتوثباتهم السريعة.
إنها الحياة التي تشبه أعماقهم وتشبه أفكارهم ومجازفاتهم. هي في نظرهم جديرة بأن تعاش كما هي كرغبة منهم في اكتشاف كل المعاني الداعية للحرية والمؤيدة للتجربة أيا كانت حتى لو استدعى ذلك خروجهم عما هو مألوف وباهت ومكرر.
عشقهم الكبير للحياة يجعلهم أكثر قناعة بأن هناك دائما أكثر من طريقة للعيش يستطيعون من خلالها تحديد أهدافهم التي تحتاج لأن تتجاوز ذلك الأفق المسدود، وتكون مصدرا للإلهام والانتصار على تلك الغايات الواهمة والمعتقدات الجامدة.

بقلم : ربى الرياحي




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

«كتاب الفنان»... تجليات بصرية من وحي تراث «عميد الأدب العربي»

  يفتح معرض «كتابُ الفنان» آفاقاً فنية تقتفي تراث ومشروع «عميد الأدب العربي» الراحل طه حسين، وذلك من خلال أعمال تتخذ من «الكتاب» قالباً فنيا...