06‏/12‏/2016

سهر



( 1 )


وقالتْ : اِسهر مَعي ، نرقصُ على أنغام الموسيقى ونُغذّي روحَيْنا بكلامٍ عذب..نحتسي الشاي ونُشاهد فيلماً بديعاً ، فلم تجد كلمات الاعتذار إلى فَمِي طريقاً وسُرعان ما أومأتُ بالإيجاب واقتربتْ أكثر لتهمس في رقة :
- الدنيا جَميلة !
وأردفتْ بثقة :
- طالما فيها أمثالك .
ومرّت نسمة هادئة بيننا فتطايرَ شعرُها وشممتُ رائحة عطرٍ جذابة وأغمضتُ عيناي وفتحتهما فجأة ومازالت تحدّق بي وبهدوء:
- كمْ تأسرني ملامحك .
ورفعتْ مِرْفقها لتتكئ على كتفي وابتسمتْ قائلة :
- ذو بأسٍ شديد .
أحسَّ عضدي بجسدٍ بضّ ... وتهرّبتِ الكلمات منّي وبلغتُ جرأةً عندما قلتْ :
- أتوقُ لاحتضانك !
وقهقهتْ بغنجٍ وكأنما طفلة وقالتْ من بين أسنانها :
- آهٍ ... منكم ولصراحتكم المحببة .
ثم بتهكّم :
- ألم تشتّم عِطري .. وتتفرّس مفاتني .. وتُلامس يدي .
قلتُ :
- بلا ... ولكن .. !
قاطعتني وهيَ تضعُ سبابتها على شفتي وتعتدل في وقفتها :
- لِتحضُنَني في لهفة ..
وضمَمتُها .. بعد أن أصبحتُ في مستواها ..
- أهذا ما كانَ ينقصك .. أعدكِ عندما تسهر معي سترى أكثر .
ثم متسائلةً باستغراب :
- ألا ترى بأننا أمامَ الجامعة ؟!


( 2 )


السّـاعة تشير إلى التاسعة موعد السّهرة .. معها .
السكون هو لغة مكان الموعد .. شقتها ..
ويبدو ألا أحدَ بالداخل .. لكنّ أناملي ضغطتْ بعصبية على جرس الباب وبعد ثوانٍ فتحتِ الباب .. زفرتُ بشدة .. لقد ظهرتْ هي بدلالها .. بفتنتها ولكن .. شبهُ عارية أدركتُ عمق المفاجأة ودفعتني إلى الداخل مَُهللة .. وبلهجةٍ تحذيرية مازحة :
- اسمع إنني أكرهُ التباطؤ.. وأحبُّ كشف الأوراقِ دون ألغاز !
وفي الحقيقة مازلتُ مشدوداً ذاهلاً ليست هي كما أراها هناك – في الجامعة- رغم الأنف الدقيق والعينان والفم الرشيق والشَّعر الحرير .. والخدّ الدقيق و...
تساءلتُ :
- ألم يأتِ أحدٌ بعد ؟
ضحكت وهي تُدْبر :
- ومن قال أن هناك من سيأتي ؟
وقبل أن أجيب اختفتْ فجأة لتظهر بعد برهة وفي يدها كوب عصير وضعته على الطاولة وجلستْ برقـّة فوق فخذي – بعد أن جلستُ – واقتربَ وجهها أكثر :
- أنا وأنتَ فقط .. ألا تذكر لقد قلتُ ( اسهر معي ) ولم أقلْ ( معنا )!
قرصتْ خدي برفق وبرغم أن ماطرأ راقني كثيراً .. إلا أنني تخوّفت .. تُرى .. وماذا بعد ؟
وأثناء سُؤلي لنفسي هتفت :
- أميلُ إليكَ أكثر من كلّ صَحْبي ، وأردتُ أن نكون سوياً في مكان منعزل.
فكّرتُ لبرهة وابتسمتُ قائلاً :
- لكن هذا لا يمكن هنا .. بمكان إقامتك .. ألا تخشيَ وا.....
قطعتْ كلامي وهي تمدُّ يدها بالعصير :
- ومن قال لكَ بأنّ لي والِدان ؟
وكانت صعقة بالنسبة لي .

( 3 )


هي :
- لقد قَضَى والدايَ نحبهُما منذ أن كنت صغيرة !
واستطردتْ :
- أبي في يوم ( النكسة ).. وأمي بحادثِ سير .
قلتُ بخضوع :
- آسف .. لقد أعدتُ لكِ ذكرى شقية .
تمتمتْ بلا مبالاة :
- لا بأس .. لم يَعُد هذا يَهُمّ ْ.!!
وأكملتْ :
- المهم ماذا عنكَ أنتَ ؟!!
جرعتُ من العصير جرعة وقلتْ :
- أنا رجلٌ بسيط .. أحبّ الانطلاق وأخشاه !
ابتسمتْ قائلة :
- كنتُ أقول ذلك لنفسي كثيراً، ولقد قرأتُ غير مرّة قصصك القصيرة .
باستغراب :
- مَنْ أخبركِ بأني قاصّ .
بهزلٍ منها :
- لأنكَ تشبهُ " يوسف إدريس " .
ضَحِكا سوياً وقال مستفهماً :
- هل سبق أن قرأتِ له شيئاً .
أجابت على الفور :
- { أرخص ليالي } كان ذلك منذ سنوات .
سألها : ما رأيكِ ؟
أجابتْ :
- يدعو إلى الإباحيّة .
وأكملتْ وهي تحسّن وضعها :
- ألا يكفي ما قالهُ عنه الكثيرون ..
وأشارتْ بإصبعها نحوي ..
- أنتَ بربك .. كيف اكتسبتَ موهبة القصّ ؟
وقبل أن أجيب تعالى إلى مسامعي صوت أنغامٍ رائقة .. و إلى أنفي رائحة شاي !




بقلم : أشرف البشيري 
1997م 




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

«كتاب الفنان»... تجليات بصرية من وحي تراث «عميد الأدب العربي»

  يفتح معرض «كتابُ الفنان» آفاقاً فنية تقتفي تراث ومشروع «عميد الأدب العربي» الراحل طه حسين، وذلك من خلال أعمال تتخذ من «الكتاب» قالباً فنيا...