سُئل الأديب الكبير #نجيب_محفوظ في حوار مع جريدة الأهرام عام 1959عن أهم مشاكل السينما ، فأجاب "أزمة ثقافة. كل اللي بيشتغلوا عندنا في السينما مجتهدين. واخدينها بالدراع! المخرج مثلا يجب أن لا تقل ثقافته العامة عن الأديب الممتاز وإلا فلن يتاح للفيلم المصري الارتفاع الموضوعي الحقيقي. مطلوب عقل ناضج يأخذ قصة حب بسيطة يعمل منها عملا رائعا".
كان محفوظ أول أديب عربي يكتب للسينما عام 1954 في فيلم مغامرات عنتر وعبلة. وظل وجوده على شاشة السينما كسيناريست حتى ظهرت أولى رواياته في فيلم بداية ونهاية عام 1960. والغريب أن محفوظ لم يكتب سيناريو أي فيلم مأخوذ عن رواية من رواياته بل إنه كان يتحفظ على ابداء رأيه بالأفلام المأخوذة عن رواياته.
وبينما تمر عشر سنوات على رحيل الأديب الكبير، يظل رصيده الأدبي والسينما حيًا في أذهان المصريين بل إننا نعيد اكتشافه من جديد كما حدث مؤخرًا مع روايته البديعة "أفراح القبة" التي تحولت إلى مسلسل كان الأفضل في رمضان الماضي ودخلت تلك الرواية "المنسية" في قائمة الأكثر مبيعًا وأظن أنها ستظل كذلك لفترة ليست بالقصيرة.
عندما حصل محفوظ على جائزة نوبل عام 1988 كأول عربي يحصل على هذه الجائزة في الأدب، كان رصيده 59 فيلما سواء في شكل قصة أو رواية له، أو أفلام كتب لها القصة أو المعالجة السينمائية أو السيناريو.
وبلغ نصيبه في قائمة أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية 17 فيلما إلا أن دخوله إلى عالم السينما كان على يد صلاح أبو سيف الذي يقول عن محفوظ "في أدبه تعبير قوي بالصور وبناء درامي وهذا هو الأساس في السيناريو.. البناء والتعبير بالصور".
يروى المخرج الكبير صلاح أبو سيف بداية دخول محفوظ إلى عالم السينما "بدأنا نفكر معا في مغامرات عنتر وعبلة عام 1945 وكتبناه سنة 46 وتم تصويره 47 وعرض 48.. كانت قصة عبد العزيز سلام ولم يكن فيها جديد عن الفيلم الذي سبق إخراجه عن نفس الموضوع. فكرت في أن يكون الجديد أن تكون الحروب بين العرب وعدو خارجي وليس بين العرب والعرب. وافقني نجيب محفوظ وقررنا أن تكون الحروب في الفيلم بين العرب والرومان كما صورنا في الفيلم شخصية يهودي قام بتمثيلها زكي طليمات وجعلناه يلعب على الطرفين: العرب والرومان.
تم تصوير الفيلم أثناء احتدام المشكلة الفلسطينية وبدأ المونتاج بعد تقسيم فلسطين في نوفمبر 47 وإن كان قد عرض في ديسمبر 48 بعد إنشاء إسرائيل. والغريب أن الحوار الذي كتبته مع نجيب محفوظ وردت فيه بعض العبارات والشعارات التي رفعتها ثورة 23 يوليو بعدها مثل "نسالم من يسالمنا ونعادي من يعادينا"" بل والأغرب أن شخصية اليهودي في الفيلم كانت له عصابة على عينه تماما مثل موشي ديان بعد ذلك ولم يكن ديان قد أصيب بعد ووضع هذه العصابة."
وبحسب الناقد الكبير سمير فريد فإنه كتب السيناريو لـ14 فيلم، و3 كتب لها القصة والسيناريو، و8 كتب لها قصصا سينمائية غير الأفلام التي أُخذت عن أعماله وقدمها كبار المخرجين أمثال صلاح أبو سيف ويوسف شاهين وكمال الشيخ وعاطف سالم وحسن الإمام وحسام الدين مصطفى وعلي بدرخان وعاطف الطيب وسمير سيف.
ورغم هذا تعرضت أعماله لموجة انتقادات شديدة وحروب مع الرقابة واتهامات بأنها تسيئ لسمعة مصر! فسيناريو فيلم الناصر صلاح الدين تعرض لمشكلات كبيرة حيث ادّعت الرقابة أن السيناريو سطحي وضعيف ويسئ للشخصية، وتم تعديله أكثر من مرة أما فيلم اللص والكلاب فقد كان معرضا للرفض لأن رقابة السينما رفضت أكثر من مرة أن تسمح بتقديم حياة السفاح في فيلم!
وقبلها رفضت الرقابة أن تصرح بقصة القاهرة الجديدة -الذي تحول إلى "القاهرة 30"- والتي تدور حول موظف تعلم الانحناء لرئيسه ومجاراته في تصرفاته لكي ينال ترقية حيث رفض محمد علي ناصف مدير الرقابة وقتها أن يصرح بتقديم القصة في السينما لأن هذا الموظف مثل سيء للمواطن في ظل مجتمعنا الجديد!
فيلم "قصر الشوق" اعترض عليه الرقيب ولم يصرح بعرضه ثم بعدها منعته لجنة تصدير الأفلام إلى الخارج لأنه يسئ إلى سمعة البلد إساءة بالغة بل إن اللجنة التي تشكلت لمشاهدته مرة أخرى انتهت إلى أنه يؤدي إلى التشهير بتاريخنا القومي!
"السراب" اعترض محفوظ نفسه على تحويله لفيلم وكان وقتها رئيس مؤسسة السينما لأنها مشكلة فردية ولا تخدم المجتمع الجديد ثم بعدها رفضت لجنة المصنفات الفنية عرضه ثم أجازته للكبار فقط بعد حذف عشرة مشاهد منه.
بل إن فيلما استعراضيا مثل "أميرة حبي أنا" طالبت عدة دعاوى بوقف عرضه بدعوى أن #التحريف أصاب ألحان سيد درويش التي قدمت في الفيلم!
الأمر نفسه طال أفلاما كثيرة بدءا من ثرثرة فوف النيل وصولا إلى الحب فوق هضبة الهرم الذي رفضته الرقابة على المصنفات الفنية! بل إن فيلما مثل الشريدة لأشرف فهمي رغم حصوله على جوائز جميع الجمعيات السينمائية في مصر وحصول نجلاء فتحي فيه على جائزة الدولة للسينما كأفضل ممثلة رفض التليفزيون المصري عرضه.
في حوار لنجيب محفوظ عام 1972 وكانت وقتها هناك أزمة في فيلمي ثرثرة فوق النيل وميرامار الذي شاهده الرئيس #السادات وأجازه بنفسه، قال محفوظ بغضب "بصراحة أصبحت رجلاً مشبوهاً " موضحاً أنه لا يكتب بالرموز والمعادلات لأن الأمور واضحة لكن كل إنسان يفسر كتاباته على هواه.
رحل محفوظ الذي اتهموا أعماله بالإساءة لسمعة مصر وظلت أعماله الخالدة التي كلما شاهدتها لتأكدت أن أهمية نجيب محفوظ في السينما لا تقل أبدا عن أهميته في عالم الأدب.
نانسي حبيب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق