01‏/04‏/2018

حياة المورينغا




بعد أن قرأت رواية أوراق المورينغا للكاتب الشاب محمد المستنير تذكرت قصة غريبة مع هذه الرواية، ومع كاتبها. حيث أخبرني الكترونياً قبل أشهر بان نسختي في الطريق عبر البريد، ولكن لم يصلني شيء، وبعد مدة عرفت أن هناك خطأ حدث عند الارسال من الدمام إلى الرياض حوَّل المرسل إلى مستقبل، والعكس. هذا الخطأ حمسني للقاء الكاتب في معرض الكتاب الأخير، وحضور توقيع الرواية، والتعرف على الكاتب من حروفه، وآرائه، وذخيرته اللغوية وسلوكه السردي، بعد أن تعرفت على الرجل مباشرة وحظيت بنسختي الخاصة.
أكمل حديثي حول الرواية التي يمكن ان اصفها وأنا قارئ فقط بانها عمل خفيف محبب إلى النفس تحكي في المجمل القصة الأكثر أهمية على هذه الأرض، وهي قصة الحياة، قصة الإنسان الذي هو جوهر هذه الحياة، قصة التسامح الذي هو وقود رئيس لاستمرار الحياة.
الكاتب نجح في ترميز ما يقرب من 280 صفحة بأسرار العيش، واستمرار مصارعة المصاعب، وكيف تسير هذه الحياة القصيرة بالناس، وكيف وهذا من الدروس المهمة كيف تتبادل الأجيال شعلة الحياة وسرها ويحافظون على اتقادها رغم الخلافات، والاختلافات، والظروف القاسية في الحياة، والمشاعر أيضا.
الرواية كما ازعم أني فهمتها، تقول: إن الأمل هو فن تعلم زراعة الحياة، وهي بقصتها المتقاربة، تطرح ما يمكن تسميته بالفرضيات البشرية القاتلة، القاتل أن الفرضيات والتي تعيد التفكير، تفرض ضرورة استعادة ترتيب الأشياء من البداية، أحيانا تأتي في الورقات الأخيرة من الرواية. وتحاول استفزاز ذاكرة القارئ بطريقة فيها تحدي للمشاعر بان تكون صادقة مع نفسها، كأن تقول للإنسان ماذا لو كان الشخص «ألف» في الرواية، أو حتى في الحياة الواقعية، والرواية أحيانا مشاهد واقعية من حياة الناس، ماذا لو كان في نسق حياتي آخر من حيث أوضاعه العائلية، الاجتماعية، والمادية والثقافية!! ومن أبحر مع الرواية من ورقاتها الأولى يعرف أن الشخص الذي يكون محل السؤال يعيش ظروفا مختلفة بالكامل، ورغم أن حقيقة وجوده تحمل مواصفات أخرى، وكان بالإمكان أن يكون في وضع آخر. ولكنها الحياة توزع الأدوار، وأيا كان الوعي بماهية هذه الأدوار فمن الممكن جدا أن تكون حقيقة الأمور صادمة، ولكن للأسف في أحيان كثيرة في وقت لا يمكن للناس عمل شيء سوى التأمل في هذه الخطوط المتشابكة والشديدة التعقيد.
الرواية بشكل عام هي بحوث مركزة في الحياة الاجتماعية وظروف الناس، وأرزاقهم وثقافتهم كتبت بعناية وحاول الكاتب تلمس أخلاق، وثقافة، ونفسية الناس، بمعنى آخر الرواية رسمت صورة موازية للحياة على شكل شجرة مورينغا، فيها عدد محدود من الأوراق ربما هذه المحدودية هي الزمن المتاح للكتابة، وللرواية لتطرح إشكاليتها على القراء. منذ أن سمعت عن عنوان الرواية من الصديق المؤلف، تساءلت لماذا هذا الاسم؟ وما هي هذه الشجرة؟ وهذا كان موضوع بحث آخر عرفت من خلاله أن شجرة المورينغا من الأشجار التي تقول الأبحاث العلمية أن موطنها الأصلي الهند، ومنطقة كيرلا، ومدينة كوتشي التي بدأت فيها احداث الرواية هي مهد هذه الشجرة وأن كانت عرفت في حضارات قديمة منها الفرعونية، حيث كانت تسمى عند الفراعنة بشجرة الحياة نظرا لاستخداماتها الطبية الكثيرة. في كوتشي تزرع المورينغا، ويجني الناس هناك التسامح.
الرواية أبطالها رمزيون، ولم ألمس كقارئ للرواية شخصية مسيطرة عميقة قادت العمل، بقدر ما تلمست توزيعا لمفاهيم عاطفية إنسانية اجتماعية ثقافية وزعت على الشخصيات.
الشخصية التي ربما صاحبها الكاتب طويلاً هي شخصية الشاب «روشان شافي علي» وهذا اسمه الكامل، الذي ولد في ظروف معينة وترعرع وعاش وعمل في السعودية، ثم عاد بعد وفاة والده شافي ليكمل مسيرة الحياة وزراعة المورينغا بيد ابنته «لينا» فن صناعة الحياة، حياةٌ أخرى حتى وإن كان على الورق.


بقلم / سالم اليامي



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

«كتاب الفنان»... تجليات بصرية من وحي تراث «عميد الأدب العربي»

  يفتح معرض «كتابُ الفنان» آفاقاً فنية تقتفي تراث ومشروع «عميد الأدب العربي» الراحل طه حسين، وذلك من خلال أعمال تتخذ من «الكتاب» قالباً فنيا...