28‏/12‏/2014

العلاج بالحب


النفس البشرية خزانة للمشاعر الإيجابية ذات الأثر الفاعل في تغيير حياة الآخرين، وهي زاخرة بما يمكن أن يكون ترياقاً لكثير من العِلل الذاتية وعِلل الآخرين، ومن هنا يمكن اكتشاف العلاج للعديد من معضلاتنا من داخل نفوسنا وقلوبنا ومشاعرنا ومكنوناتنا الداخلية.
نعم، الحب فيه علاج ناجع لكثير من معضلاتنا النفسية والصحية والاجتماعية، وبإمكاننا بنظرة متعمقة للحياة أن نغيِّر مشاعرنا تجاه الآخرين، ونجعلها مشاعر حُبّ وصدق ووفاء وحُبّ للخير لكل الناس، وتمني السعادة لهم جميعاً، بل السعي من أجل تحقيقها؛ لأن النفوس الطيبة والقلوب السليمة ترى سعادتها في سعادة الآخرين، ومن هنا يتحول الحب النابع منها إلى دواء يسري في أوصال الغير، ويعالج ما لديهم من عِلل ومشكلات ومعاناة وآلام.
إن الابتسامة والتسامح والهدوء والراحة النفسية والإيثار والكلمة الطيبة ومساعدة الآخرين وإبداء النصح وحُبّ الخير والصدق في التعامل.. كلها من مظاهر الحب الصادق، وكلها تصنع الفرح، وتحقق الراحة النفسية وسلامة الدواخل لدى الآخرين، وهذا - بلا شك - فيه علاج لهمومهم، ومشاكلهم النفسية والصحية والاجتماعية.
الحُبّ شعور طبيعي للنفس المتوازنة المتصالحة مع ذاتها، وهو ينعكس في راحة البال وراحة الضمير، وصفاء النفس، وحُسْن الظن، والثقة والطمأنينة، وحُسْن العلاقات مع الآخرين، والتسامح والتضحية وخدمة الآخرين، وهي قيم حث عليها الإسلام وكرسها، وأوصت بها السُّنة النبوية المطهَّرة، ولها تأثيرها في علاج الاكتئاب والقلق وأمراض القلب، وغيرها من العلل.
يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه".
وهذا يعزز قيم الإيثار والحُبّ، وفي ذلك تذويب لمشاعر الحقد والحسد والكراهية.. فأي علاج أفضل من هذا؟ وأي علاج نحتاج إليه في هذا العصر أكثر من هذا؟.
هذا الحُبّ هو الشعور العجيب، وهذا الترياق الناجع، وهذا الإحساس الصادق الذي يهذب النفس، ويداوي جراحاتها، ويشكِّل الآخر، ويمنح الحياة لون الفرح وطَعْم البهجة والسعادة ونكهة العيش الكريم، ومنحها إشارة الاستمرار والطمأنينة والأمان والسلام.
وللحب القدرة على شفاء أي أمراض.. وما تواجدت الأمراض الا بسبب الافتقار للحب.. ولكي نفهم ذلك أولاً علينا ان نفهم علاقة الحب بالحياة.
وأولى الناس بالحب هو أنت، نفسك، فإن لم تحب نفسك فأنت تحرم ذاتك من الحب الذي تستحقه وتحجب محبة الله أن تمر منه إليك.
إن كل الامراض تنشأ من الافتقار للحب بشكل أو بآخر... الافتقار لطاقة الحب... فلتسمح لطاقة الحب أن تسري فيك.
عليك بدايةً أن تتقبل ذاتك وتحب ذاتك لتسمح للحب أن يسري فيك كما هو مقدر له أن يسري في كل الوجود ليبقيه حياً.
لاحظ نفسك.. عندما تفتقد الحب.. انظر ماذا تشعر.. هل تشعر بالنور أم بالظلمة؟؟ هل تشعر بالخير - أم بالشر؟؟ هل تشعر بالراحة أم الانزعاج؟؟ هل بإمكانك أن تسترخي؟؟ هل تشعر حقاً أنك تعيش؟ لاحظ نفسك وأنت في حالة الحب... والحظ الفرق.
إن الحب وحده كفيل بأخذ كل الاسقام بعيداً، لأن المرض أياً كان هو نقص في طاقة الحياة لدى الإنسان وطاقة الحب نفسها هي طاقة الحياة.. الحب هو أنقى صور طاقة الحياة.. فما إن تفتح نفسك للحب إلا وستلاحظ الشفاء في داخلك، ستلاحظه وتشعر به حتى يتجلى ويظهر أثره على جسدك ونفسك.
عندما تشعر أن أحدهم بحاجة لطاقة الحياة... افتح قلبك أولاً للحب، وانفتح على الحب حتى تشعر أنك امتلأت حباً، ثم ابدأ بالسماح لهذا الحب بالتدفق منك إليه، وإن لم تتمكن من فعل ذلك فقط بالنية يمكنك أن تستخدم مخيلتك لتحفز الشعور بالحب لديك...فقط تخيل من تشعر أنه بحاجة لطاقة الحياة.. تخيله أمامك واشعر بالحب الذي في قلبك.. واسمح لهذا الحب أن يمر من خلالك للآخر حتى يشبعه أو حتى تشعر أنه أشبعه.
هرمون الحب:
اكتشف الباحثون أن "الأوكسيتوسين" المعروف باسم هرمون الحب قادر على فعل العجائب في حياة الإنسان على صعيد الصحة العامة والصحة النفسية وعلى تصرفاتنا، بل إنه قادر على علاج العديد من أنواع الصداع أيضاً. لا تقتصر عجائب هذا الهرمون على تعديل المزاج فقط بل إنه يخفض معدلات هرمون التوتر ويخفض ضغط الدم.. ويؤكد العلماء أيضاً أنه يلعب دوراً رئيسياً في تحديد مسار علاقاتنا مع الآخرين لأنه مرتبط بمشاعر الثقة التي نوليها لهم.
ترى ما هذا العلاج المدهش الذى لا يكلف سوى لمسة حانية ينطلق على إثرها هرمون (الاكسيتوسين)؟! ذلك هو الهرمون المعالج الذي سكن أجسامنا طيعاوبقيَ رهنا لأى إشارة حب.
ولأن الزوجين هما أكثر المنتفعين بهذا الدواء، لذا عليهما تفعيل الغدة النخامية فيما يخص جانب (الاكسيتوسين) وذلك باستثارتها دومـا بالمودة والرحمة والأُلفة التي جعلها الله ملكا لهما. وما أجمل دور النظرات التي تعبر عن اللهفةوالتواصل! والقبلات الحارة التي ترغم الغدة على أن تكون أكثر تفاعلاً!
والمرأة الذكية هي التي تتدفق بجمالها ورقتها رويدا في عيني وروح شريك العمر وذلك ليتقاطر الهرمون لدى الزوج نقطة بنقطة ؛ حريصة ألا تسكبه دفعة واحدةكي لا يتوافد الزهد والشبع عقب الصب الكامل.
وعلى الرجل أن يحقق رجولته مع ذكورته، وأن يحقق لطفه مع ولعه، وأن يكونجذابا في هندامـه ومظهره؛ فهذا أدعى لشغف المرأة! وأنشط لإدرار هرمون (الاكسيتوسين) عندها هي الأخرى!
حقا.. بلمسة واحدة تنهض الهرمونات من موضعها؛ راكبة كريات الدم، جائلةفي كل زوايا النفس لتنعشها! وتبث فيها الفرح والمرح حتى تتبعها قطرة أخرى!
ويتوالد مـن ذاك المرح هرمون آخر ألا وهـو (الإنترفيرون)!! ذلك هو الهرمون المتمم لجند الجسم ليقوم بمهمته الكبرى في مهاجمة الأمراض! ومـازال الهرمونمتجها إلى البشرة لينقيها، وإلى الخدود ليحمرها بـ (روج) رباني لم تقدر على صنعهالشركات! ويبقى الهرمون جاهدا حتى يؤخر قدوم الشيب والكبر.!
بعد أن عرف العلماء دور هرمون الأوكسيتوسين إكسير غرام العشاق، والحبل السري الذي يربط الأم بالجنين.
إن السر وراء الأخلاق السامية هو هرمون "الحب" الأوكسيتوسين... هدف العلماء القادم وأملهم الكبير لتصنيع الدواء القادر على تصحيح النفوس البشرية لتضع كل الحروب أوزارها وليعم السلام في الأرض أخيرا فهل يتحقق المراد؟.
د . محمد السقا عيد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

«كتاب الفنان»... تجليات بصرية من وحي تراث «عميد الأدب العربي»

  يفتح معرض «كتابُ الفنان» آفاقاً فنية تقتفي تراث ومشروع «عميد الأدب العربي» الراحل طه حسين، وذلك من خلال أعمال تتخذ من «الكتاب» قالباً فنيا...